تونس تشرع في تطوير أحياء الطبقة العاملة المهملة وتحويلها إلى مجتمعات عمرانية مزدهرة

في بلدة رواد الواقعة شمال تونس، تصطف المباني غير المكتملة البناء على طول الطرق غير المعبدة، ولا يحصل السكان دائمًا على المياه الجارية أو الكهرباء. يقول عبد الرحمن عمامري، أحد السكان: "إن سيارات الأجرة لا تأتي إلى هنا، ولا يمكن لأطفالنا دائمًا الذهاب إلى المدرسة". ويضيف: "في الشتاء، علينا أن نرتدي الأحذية بسبب الطين. وما لا يمكن تصوره، هو أننا على بُعد كيلومترين أو ثلاثة كيلومترات فقط من المدينة، ولكن ليس لدينا أي شيء".

تنم تجربة عبد الرحمن عمامري عن المشكلة الكبرى التي تعاني منها تونس منذ عام 1942، إذ نتج عن سرعة التوسع الحضري ظهور مناطق حضرية مهملة وغير صحية. وبلغ عدد الأحياء المهملة التي حصرتها تونس عام 2021 1400 حي، في أعقاب الثورة التونسية التي اندلعت في عام 2011 وأماطت اللثام عن فوارق اجتماعية متأصلة ومناطق حضرية متفرقة.

يقول جيري مَسكت رئيس شعبة الخدمات الاستشارية الحضرية في البنك الأوروبي للاستثمار: "يُوضح التباين بين المراكز الحديثة في المدن والأحياء المنشأة بصورة تلقائية غياب التخطيط العمراني الممنهج". ويضيف: "لقد واجهت تونس تحديًا مزدوجًا تمثل في الافتقار إلى مساكن اقتصادية لائقة في مواجهة جموح التوسع الحضري".

يمكنكم قراءة المزيد عن مشروع صوامع الحبوب الذي سيساعد تونس في تحسين أمنها الغذائي.

في عام 2012، أطلقت وكالة إعادة التأهيل وتطوير المناطق الحضرية أول برنامج لإعادة تأهيل الأحياء السكنية وتكاملها، المعروف اختصارًا باللغة الفرنسية PRIQH 1.

قال أحمد عز الدين رئيس وكالة إعادة التأهيل وتطوير المناطق الحضرية: "لقد أنشأنا 155 حيًا و52 مرفقًا، مثل مراكز الشباب والملاعب الرياضية والمراكز الثقافية، و19 منشأة للأنشطة لصالح أكثر من 864 ألف و500 ساكن".

يتجاوز تأثير البرنامج ما هو أبعد من تحسين الخدمات الأساسية، مثل الإنارة العامة والصرف الصحي والكهرباء، ليشمل المرافق الاجتماعية والثقافية الأساسية المقامة بهدف تعزيز روح الجماعة والشعور بالانتماء، فضلًا عن إدخال تحسينات أساسية على المنازل.

>@Tunisian Agency for Rehabilitation and Urban Renewal
© Tunisian Agency for Rehabilitation and Urban Renewal

شباب يمارسون رياضة كرة السلة في ملعب جديد تم تشييده في إطار المشروع بمنطقة البطاح.

التمويل والتأثير الاقتصادي

أتاحت الدولة والبلديات والجهات المانحة تمويلات للبرنامج بلغت قيمتها 248 مليون يورو ، وشملت قرضًا بقيمة 70 مليون يورو من البنك الأوروبي للاستثمار و30 مليون يورو من الوكالة الفرنسية للتنمية ومنحة قدرها 61 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي.

تقول بسمة زواري أخصائية التنمية الحضرية في البنك الأوروبي للاستثمار: "جاء ذلك في إطار المبادرة التي أطلقها فريق أوروبا والتي أعدت آنذاك مبادرة رائدة في تونس والمنطقة".

تشرح إحدى رائدات الأعمال في قطاع النسيج تُدعى كريستين مورمان كيف أنها استفادت من البرنامج بطريقة غير مباشرة قائلة: "أتاحت الهياكل الأساسية والمرافق المجتمعية المُحسنة فرصة إقامة مشاريع تجارية بسهولة أكبر وباتت المنطقة أكثر قابلية للعيش فيها". "لقد نجحنا في زيادة عدد العاملين في منشأتنا الصناعية الجديدة في الحمادي، من 40 إلى 120 عاملًا ومُنحت النساء المحليات الأولوية في التعيين، وبات بإمكانهن اليوم اصطحاب أطفالهن من المدارس القريبة".

لقد أحدث البرنامج تحولات جوهرية في الحياة اليومية؛ حيث أدى إلى تحسين مستوى السلامة وفرص الحصول على الخدمات. تقول حياة حمودة المقيمة في بلدية بوشمة: "اليوم، تطورت الطرق وأضيئت إضاءة جيدة وأصبحت البلدة نظيفة للغاية".

يمكنكم الاطلاع على كيف أن البنك الأوروبي للاستثمار يستثمر الملايين في المغرب للمساعدة على إنهاء مشكلة ندرة المياه.

>@Tunisian Agency for Rehabilitation and Urban Renewal
© Tunisian Agency for Rehabilitation and Urban Renewal

مجموعة من النساء يعملن في مصنع نسيج في حي بوعكروشة جُدِّد في إطار البرنامج.

التطلع إلى المستقبل

وفي ضوء الدروس المستفادة من تنفيذ أول برنامج لإعادة تأهيل الأحياء السكنية وتكاملها، بدأت وكالة إعادة التأهيل وتطوير المناطق الحضرية برنامجًا ثانيًا، PRIQH 2 في عام 2019 بتمويل مشترك قدره 184 مليون يورو، شمل 77 مليون يورو من الوكالة الفرنسية للتنمية و77 مليون يورو من البنك الأوروبي للاستثمار بالإضافة إلى منحة قدرها 30 مليون يورو مقدمة من الاتحاد الأوروبي. يجري حاليًا تنفيذ البرنامج بعد تأخُّر بسبب أزمة كوفيد-19.

ومن جانبها، توضح كاثرين باربيريس، رئيسة الوحدة التابعة للبنك الأوروبي للاستثمار المعنية بالإدارة والرصد للمشاريع المقامة في بلدان الجوار، أن "الهدف المتوخى في هذه المرحلة هو استفادة 160 من الأحياء ونحو 800 ألف تونسي من البرنامج، إذ سينصب التركيز خلاله على الهياكل الأساسية لكفاءة الطاقة وتعزيز مشاركة المواطنين في تخطيط المشاريع وتصميمها".

يمكنكم قراءة المزيد عن مشروع صوامع الحبوب الذي سيساعد تونس في تحسين أمنها الغذائي.

يمكنكم مشاهدة فيديو إعلامي باللغة الفرنسية حول برنامج إعادة تأهيل الأحياء السكنية وتكاملها، أعدته الوكالة التونسية لإعادة التأهيل وتطوير المناطق الحضرية.